
الصين والتحول الاستراتيجي في المنطقة- د. هشام الأعور
الاتفاق السعودي -الايراني
بقدر ما توقف الكثير من المحللين عند الاتفاق التاريخي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران الذي أنهى سبعة أعوام من القطيعة،واستئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، غير ان اللافت كان في خطوة جمهورية الصين الشعبية على رعاية هذا الاتفاق التاريخي الذي ينطوي على تغييرات إقليمية كبرى، وهي تشير الى تصاعد دور سياسي ودبلوماسي صيني على المسرح الدولي وهو مرشح لمزيد من الاهتمام بقضايا المنطقة وما حدث من عودة العلاقة بين السعودية وإيران هو أفضل إعلان عنه.
فردت الكثير من الصحف العالمية مساحات لهذه الجزئية وما تحمله من دلالات، في مقدمتها تعاظم الدور الصيني في الشرق الأوسط ، على حساب النفوذ الاميركي ،فالدور الذي قامت به الصين في هذا الاتفاق ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة، مفادها أن محور الشرق الأوسط يتغير، وهذا ما يؤكده وصف إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن لتعاظم دور الصين بأنه “أكبر تحد جيوسياسي للقرن الـ21”
لقد كان دور الصين مفاجئ جدا حتى للمحللين الصينيين، فبكين لطالما تجنبت التدخل سياسيا في الشرق الأوسط، مع التركيز بدلا من ذلك على العلاقات الاقتصادية، الى ان جاء الاتفاق السعودي الايراني يبعث برسالة رمزية قوية جدا نظرا لتوقيعها قبل أيام فقط من الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، وهو ما يجعل الصين تحل حقا كـلاعب استراتيجي في الخليج يغلّب لغة الحوار ولغة السلام في عالم مضطرب بشدة .
وفي حين جاءالاتفاق السعودي الإيراني ربما يضع نهاية لسنوات من الخلافات بين قوتين لهما ثقلهما في المنطقة، الأمر الذي قد يخمد نار صراعات لم تعد دول الإقليم تتحمل تبعاتها في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تجتاح دول العالم بأسره، كان حصاد الدبلوماسية الصينية في الفترة الماضية يؤكد تصاعد دور بكين في المنطقة بينما الخطاب الأمريكي في الفترة الأخيرة اتسم بالتعالي على المنطقة والشرق الأوسط، وربما يشير ذلك إلى مستوى جديد من الطموح للقائد، شي جينبينغ، الذي اثبت صورته كرجل دولة عالمي في تنافس متصاعد مع الولايات المتحدة،ومحاولته بناء نطام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية كبديل عن الاحادية الاميركية ،وجعل بلاده تتعامل بحنكة دبلوماسية وحرفية عالية مع قضايا العالم الساخنة.
لقد عكس الاتفاق بين الرياض وطهران انتصار للقوة العقلانية والناعمة لبكين ودبلوماسیتها الذكية التي تتخذ من العلاج السیاسي والعلاقات الاقتصادية والانمائية منطلقا لحل الخلافات الاقليمية وتطویق أزمات المنطقة.
ان هذا التطور على صعيد الدبلوماسية الصينية هو من استحقاقات و نتاج تحول عالمي كبير من النظام الاحادي القطبي الامريكي الى نظام التعددية القطبية ،ويشكل خطوة استراتيجية دولية مهمة تقوم على مرتكزين :الامن والتعاون ووضع حجر الزاوية في التأسيس للبترويوان اي بيع النفط باليوان الصيني وترحيل البترو دولار فيما تبقى “اسرائيل” الخاسر الاول والاخير في حال قررت السعودية عدم الانضمام الى اتفاق ابراهم وترجئ التطبيع وربما ستتخلى عنه.
ولكن أيـن لـبـنـان مـن الـتـقـارب الـسـعـودي ـ الإيـرانـي؟ وهل يُنتخب رئيس للجمهورية في لبنان في وقت قريب، ربطاً بهذا الحدث الذي يعتبر الأبرز في الشرق الأوسط من عشرات السنين؟
مرة جديدة تتجه الانظار نحو سوريا من خلال ترقب الزيارة المنتطرة التي سيقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو منتصف الشهر الجاري، أي بعد أيام معدودة. وذلك، سيكون ممراً آخر لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد، بعد عودة الحياة إلى معادلة السين ـ سين، ومن ثم من خلال دور روسي لعودة العلاقات الديبلوماسية السعودية ـ السورية.
أن التوافق بين السعودية وسوريا الدولتين المؤثّرتين في لبنان لا بد أن يؤدي إلى تسهيل وتسريع عملية انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني بعدما كانت كل المنافذ مقفلة.
الحوار المجتمعي.