المقالاتمواضيع ودراسات

الحصانة النيابية في الدستور اللبناني _ د. هشام الأعور

السلطة التشريعية

 

ثمة مبدأ قانوني جوهري هو انّ جميع الناس متساوون أمام القانون. لكن عدداً من الاستثناءات وردت على هذا المبدأ وشكّلت نوعا من الخرق له وتُعرف هذه الاستثناءات بإسم الحصانة القضائية. 

انّ منشأ هذه الحصانة ليس واحداً. فبعضها متصلّ بانتظام العلاقات الدولية (الحصانة الدبلوماسية)، وبعضها يتصلّ بالعمل التمثيلي (الحصانة النيابية)، وبعضها بالعمل الحكومي أو السياسي (رؤساء الحكومة والوزراء)، وبعضها بالعمل الوظيفي (الموظفون الإداريون، رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، الكتاب العدول، المختارون، ولجنة التحقيق الخاصة في جرائم تبييض الأموال)، ومنها ما يتصل بالمهنة (المحامون).

وترفع يد النيابة العامة عن الملاحقة في حالتين: حالة الحصانة الدبلوماسية وحالة الحصانة السياسية والاجرائية للنواب التي تشكل موضوع دراستنا.

تهدف الحصانات إلى تقديم حماية للنوّاب، لتمكينهم من تنفيذ مهامهم من دون تدخلات خارجيّة، سواء من قبل سلطة أخرى أو من قبل أحزاب معارضة. وهذا ما تشير إليه صراحة المادة 98 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب اللبناني الذي يشترط لرفع الحصانة عن النائب التأكّد من قبل النوّاب أن “طلب [رفع الحصانة] بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي”.

هذه العلاقة بين الحصانة والوظيفة واضحة مثلا في تكريس الحصانة التامة، بمعنى إنعدام المسؤولية، للنوّاب بالنسبة إلى الآراء والأفكار التي يبدونها خلال مدّة ولايتهم النيابية(1)وتتصّل هذه الحماية المطلقة بالنسبة إلى الآراء والأفكار بوظيفة النوّاب الأساسية وهي التعبير عن الإرادة العامة.

أمأ بالنسبة إلى سائر الأفعال التي قد يتّهمون بها، يتمتّع النوّاب بحصانة إجرائية وهي عدم إمكانيّة ملاحقتهم خلال الجلسة التشريعية إلاّ بعد طلب وقبول رفع الحصانة النيابيّة من قبل مجلس النوّاب(2)تترتّب عدّة نتائج عن هذه الصلة بين الحصاناة والوظيفة النيابيّة:

فيرتبط مثلا مبدأ حصانة النوّاب بالإنتظام العام(3) . وقد شرح النوّاب هذا المبدأ بمعنى عدم إمكانيّة النائب التخلي عن حصانته وإخضاع نفسه إلى القضاء كما عرض النائب حبيب حكيم سنة 1999(4)لأنّ هذه الحصانة ليست حقّاً شخصياً له بل أداة لحماية مهامه.

يربط الدستور حصانة النوّاب بإنعقاد الدورة التشريعيّة(5)أي أثناء تولي النائب وظيفته، مع الملاحظة أن هذا كان أيضا النظام المعتمد في فرنسا قبل التعديل الدستوري في عام 1995 الذي أزال حصانة النوّاب في ما يخص الملاحقة. ومن أسباب التعديل أنّ إطالة آماد الدورات العاديّة لمجلس النوّاب في فرنسا، أدّت عملياً إلى تحصين النوّاب ضدّ الملاحقات طيلة مدّة ولايتهم، ما لم يتم رفع حصانتهم من قبل مجلس النوّاب(6)

ينصّ النظام الداخلي لمجلس النوّاب على وجوب درس طلب رفع الحصانة “وتقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي”(7)وإشكالية هذا النصّ أنّه يفترض التصدي للأفعال التي طلب رفع الحصانة على أساسها، ويبدو دور مجلس النوّاب في هذا السياق غير واضح، فأين تتوقّف سلطة تقديره للأفعال المذكورة؟ وفي سياق جلسة النقاش المخصّصة لرفع حصانة النائب حبيب حكيم، اعتبر النائب بطرس حرب أن “دور المجلس النيابي يجب أن ينحصر في معرفة إذا “في هذا الملف قضية وأموالا قد هدرت أم لا؟ ويعود للقضاء، وللقضاء وحده، أن يقرر ما إذا كان حبيب حكيم ارتكب فعلا جزائيا أو لا”(8)ولا تبدو إذا الحدود بين دور مجلس النوّاب ودور القضاء واضحة. وأبعد من ذلك، يبدو نصّ المادة المذكورة وكأنه يكرّس شيئا من الحكم المسبق بالإدانة(9)

نظرا إلى الإشكاليات التي تثيرها إناطة قرار رفع الحصانة بمجلس النوّاب، تم التخلي في فرنسا عند تعديل الدستور عن هذا الشكل من الحصانة. بعد هذا التعديل، لم يعد من الضروري طلب إذن البرلمان لإطلاق الملاحقة ضدّ نائب ما، وباتت صلاحيّة تقدير الأفعال تعود حصريا إلى القضاء. ويكون إذا النائب على قدم المساواة مع المواطنين من هذه الناحية. في ظلّ النظام الجديد، لا يتدخّل البرلمان(10)لتعليق الملاحقة بل فقط لإعطاء إذن بحبس النائب أو فرض تدابير مانعة للحريّة عليه(11) وهذا النظام يوفّق بشكل أفضل بين إعطاء ممثلي الأمّة إمكانيّة ممارسة وظيفتهم ومنع تحويل ذلك إلى سبيل للتهرّب من العدالة.

يعتبر النائب، وفقاً للمادة 27 من الدستور اللبناني، ممثلاً للأمة جمعاء، ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه. فالنائب يمثّل الشعب اللبناني بكامله على الرغم من إنتمائه الى طائفة معينة، وانتخابه من مواطنين في دائرة إنتخابية محدّدة. فالدستور اللبناني تبنّى نظرية الوكالة التمثيلية التي ترتكز على مبدأ سيادة الأمة، رافضاً نظرية الوكالة الإلزامية التي تقيّد إرادة النائب بإرادة ناخبيه الذين يستطيعون فرض قيود وشروط على وكالته وعزله إذا خالف إرادتهم.

وللنائب في الدستور اللبناني الحرية التامة في ممارسة وظيفته النيابية وتغليب اعتبارات المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. أما عملياً في لبنان، وبسبب ضعف التمثيل الحزبي، فإن النائب يركّز على شؤون منطقته الإنتخابية ومصالح ناخبيه، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة.

لماذا الحصانة النيابية: 

من أجل إعطاء النائب الحرية والإستقلالية في التعبير عن آرائه وأفكاره وممارسة مهامه النيابية، نصت المادتان 39 و40 من الدستور اللبناني على الحصانة النيابية. فنصت المادة 39 على أنه “لا يجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته”. كما نصت المادة 40 على أنه “لا تجوز في أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية في حق أي عضو من أعضاء المجلس، أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً، إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبّس بالجريمة (الجرم المشهود)”.

وتعتبر بريطانيا مهد الحصانة النيابية، حيث تكرّست في نهاية القرن السابع عشر حرية التعبير للنائب بموجب امتياز حرية الخطاب (Freedom of Speech). كما ظهرت الحصانة النيابية في فرنسا منذ الساعات الأولى لإعلان الثورة الفرنسية العام 1789، وتمّ إقرار مبدأ عدم مسؤولية النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية العام 1790. ومع انتشار الأنظمة الديموقراطية في العالم، انتشرت الحصانة النيابية لتصبح من أهم المبادئ الجوهرية لهذه الأنظمة، وإن كانت تختلف بين دولة وأخرى من حيث نطاقها ودرجتها.

مفهوم الحصانة النيابية: 

يمكن تعريف الحصانة النيابية بأنها مجموع الأحكام الدستورية التي تؤمن للنواب نظاماً قانونياً يختلف عن النظام القانوني العادي الذي يطبّق على عامة الناس في ما خص علاقاتهم، بهدف الحفاظ على حريتهم واستقلاليتهم.

فالهدف من إعطاء النائب هذه الحصانة هو تأمين الضمانات اللازمة لحمايته في أداء مهمته التمثيلية بكل حرية واستقلال. وهي تبدو للوهلة الأولى، متعارضة مع مبدأ المساواة أمام القانون، ولكن سرعان ما يتضح أن الهدف منها هو حماية الأمة من خلال حماية ممثلها (النائب) في ممارسة مهامه التي كفلها له الدستور.

أنواع الحصانة النيابية: 

يمكن التمييز بين نوعين من الحصانة النيابية: الحصانة الشاملة أو اللامسؤولية النيابية، والحرمة الشخصية.

 

• الحصانة الشاملة أو اللامسؤولية النيابية:

هي حصانة مطلقة للنائب طوال ولايته التمثيلية، تمنع ملاحقته بسبب أعماله النيابية والتشريعية والرقابية، وتصريحاته وأقواله والتعبير عن أفكاره وآرائه المرتبطة بمهامه النيابية وما يتعلّق بها.

وسنداً الى المادة 39 من الدستور اللبناني «لا تجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته»، أي لا تجوز ملاحقة النائب جزائياً بسبب ما يبديه من أفكار وآراء وأقوال، سواء أكانت كتابية أم شفهية، طوال مدة ولايته النيابية، وسواء أكانت داخل البرلمان أم خارجه، حتى ولو تضمّنت سباً أو قدحاً أو ذماً أو إهانة، وحتى ولو شكّلت هذه الأفعال جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.

وهذه الحصانة الشاملة بسبب الآراء والأفكار التي يبديها النائب مدة نيابته، يجب أن تتصل إتصالاً واضحاً ووثيقاً بتأدية مهامه كنائب عن الأمة، وأن يبدو بمثابة الأب الصالح الساهر بدقة على حريات المواطنين وكل ما له علاقة بكرامة عيشهم والمحافظة على أخلاقهم المرتكزة على المبادئ الأخلاقية والمثل العليا، فيكون بمثابة المعلم المثالي لشعبه، من دون أن يعني ذلك حقه بالتلفّظ بكلمات نابية ومشينة تتّسم بالخسة والحقارة بحق أشخاص معينين. فلا يجوز للنائب التلفّظ بعبارات تؤلف جرائم القدح والذم والتحقير المعاقب عليها في المادة 584 من قانون العقوبات، لتحقيق مصالح شخصية لا علاقة لها بممارسة مهامه النيابية، وإلا يزول مبرر الحماية الدستورية إستناداً الى مبدأ تنزيه المشترع من حماية الأحقاد والكراهية وإلغاء جرائم الذم والقدح والتحقير في ما خص أعضاء مجلس النواب.

وتمتد حصانة النائب عن الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته لتحميه بعد انتهاء ولايته النيابية، فلا يجوز التقدّم ضده بدعوى جزائية عن تلك الآراء والأفكار والتصريحات التي عبّر عنها خلال مدة نيابته.

إلا أن ما تقدم لا يمنع مساءلة النائب تأديبياً أمام مجلس النواب عندما يتعدى حدوده المشروعة وينتهك المبادئ التي يجب أن يتحلّى بها، من دون أن تصل هذه المساءلة الى ملاحقته جزائياً. وحصانة النائب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته سنداً الى المادة 39 من الدستور اللبناني، ليست مطلقة، ولا تشمل جميع الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، بل تنحصر بالآراء والأفكار التي تصدر عنه وتكون متصلة بعمله النيابي ومتعلقة بالمواضيع والمصالح الوطنية العامة، المكلّف بمعالجتها بحكم ولايته النيابية وبدون تجاوز، وإلا لما كان هناك من حاجة الى وضع المادة 40 من الدستور التي تجيز ملاحقة النائب جزائياً عند اقترافه جريمة يعاقب عليها القانون.

ولكن هذا لا يعني منع المتضرر من حق إقامة دعوى مدنية لمطالبة النائب بالتعويض، بل يحق لكل متضرر من أعماله وتصريحاته أن يتقدّم ضده بدعوى مدنية إستناداً الى مسؤوليته المدنية عن الأضرار اللاحقة بالمتضرر سنداً الى المواد 122 و123 و124 من قانون الموجبات والعقود. فقد نصت المادة 122 موجبات وعقود على أن «كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير، يجبر فاعله إذا كان مميزاً على التعويض». كما نصت المادة 123 موجبات وعقود على أنه «يُسأل المرء عن الضرر الناجم عن إهماله أو عدم تبصره كما يُسأل عن الضرر الناشئ عن فعل يرتكبه»، وكذلك نصت المادة 124 موجبات وعقود على أنه «يُلزم بالتعويض من يضر الغير بتجاوزه، في أثناء إستعمال حقه حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله مُنح هذا الحق».

وبناءً عليه، إذا تعرض النائب لكرامة أحد الناس وسمعته وشرفه، بالتجريح أو السب أو الإهانة أو الإتهام غير المشروع، جاز للمتضرر التقدّم بدعوى مدنية ضده ومطالبته بالتعويض عن العطل والضرر المعنوي اللاحق به وبشرفه وبسمعته وبكرامته، إذ يعتد بالضرر الأدبي كما يعتد بالضرر المادي سنداً الى المادة 124 من قانون الموجبات والعقود.

• الحرمة الشخصية:

هي حصانة نسبية تهدف الى منع ملاحقة النائب جزائياً في أثناء دور إنعقاد مجلس النواب إذا إقترف جرماً جزائياً، من دون أن تضفي الطابع الشرعي على الأفعال التي إرتكبها. وهي تهدف الى الحيلولة دون إعاقة النائب عن القيام بمهامه النيابية عبر إختلاق إتهامات كيدية ملفقة لأسباب سياسية، بهدف حرمانه من حضور جلسات مجلس النواب وممارسة دوره التشريعي والرقابي.

وهذه الحصانة هي حصانة قاصرة، تشكّل قيداً على حرية النيابة العامة بملاحقة النائب عن الجرائم الجزائية التي يقترفها، فلا يمكن تحريك الدعوى العامة ضد النائب في هذه الجرائم إلا بعد الحصول على إذن مجلس النواب بذلك، ما عدا حالة الجرم المشهود. فهذه الحصانة هي محض إجرائية، ليس من شأنها تبرير الفعل الجرمي أو الإعفاء من العقاب، إنما يقتصر مفعولها على الإجراءات التي لا يجوز إتخاذها ضد النائب إلا بعد الحصول على إذن مجلس النواب بملاحقته. وهي تختلف إختلافاً كلياً عن الحصانة الشاملة التي تمنع إقامة الدعوى الجزائية ضد النائب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، سنداً الى المادة 39 من الدستور.

وقد نصت المادة 40 من الدستور اللبناني على أنه «لا يجوز في أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية في حق أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)». كما نصت المادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب (الصادر بتاريخ 21/10/2003) على أنه «لا تجوز خلال دورات إنعقاد المجلس، ملاحقة النائب جزائياً أو إتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)».

بذلك تكون هذه المواد قد ميّزت بين ثلاث حالات، وهي: وجود المجلس في دور الإنعقاد، وجود المجلس خارج دور الإنعقاد، الجرم المشهود.

• وجود مجلس النواب في دور الإنعقاد:

إذا إقترف النائب جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون، وكان مجلس النواب في دور إنعقاد، لا يجوز إتخاذ أية إجراءات جزائية بحق النائب أو إلقاء القبض عليه، إلا بإذن المجلس. وقد نظّمت المادة 91 وما يليها من النظام الداخلي لمجلس النواب كيفية طلب الإذن بالملاحقة، فنصت على أنه يقدّم وزير العدل طلب الإذن بالملاحقة، مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز، تشتمل على نوع الجرم وزمان ارتكابه، وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم إتخاذ إجراءات عاجلة.

يقدم طلب رفع الحصانة الى رئيس المجلس الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل الى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تبرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان (م92 من النظام الداخلي لمجلس النواب). وإذا لم تقدّم الهيئة المشتركة تقريرها في هذه المهلة، يجب على رئاسة المجلس إعطاء علم بذلك للمجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرة (م93 من النظام الداخلي). وعندما يباشر المجلس البحث في طلب رفع الحصانة يجب استمرار المناقشة حتى البت نهائياً بالموضوع (م94 من النظام الداخلي).

ويكون للإذن بالملاحقة مفعول حصري، ولا يسري إلا على الفعل المعين في طلب رفع الحصانة (م95 من النظام الداخلي). ويتخذ قرار رفع الحصانة بالأكثرية النسبية، أي بغالبية أصوات الأعضاء الحاضرين في الإجتماع الذي تحضره أكثرية أعضاء مجلس النواب سنداً الى المادة 96 من النظام الداخلي لمجلس النواب معطوفة على المادة 34 من الدستور.

لكن الافتراض جدلا أن الدفوع الشكلية التي يقدمها المدعى عليه اوصلت الى قرار قضائي مبرم باعتبار أن الفعل مشمول بالحصانة النيابية ولا يدخل ضمن مفهوم الجرم المشهود فعندها يكون لا بد، من طلب اذن المجلس النيابي للملاحقة الجزائية.وعندئد سيدعو رئيس البرلمان بعد تلقيه طلب رفع الحصانة وفق المادة 92 من نظامه الداخلي هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان. واذا لم تقدم الهيئة المشتركة تقريرها في المهلة المعنية في المادة السابقة، وجب على رئاسة المجلس بحسب المادة 93 إعطاء علم بذلك للمجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرةً. وعندما يباشر المجلس البحث في طلب رفع الحصانة يجب استمرار المناقشة حتى البت نهائياً بالموضوع بحسب المادة 94، مع ضرورة التقيد بنص المادة 95: للإذن بالملاحقة مفعول حصري ولا يسري إلا على الفعل المعين في طلب رفع الحصانة الذي وفق المادة 96 يتخذ بالأكثرية النسبية وفقاً للمادة 34 من الدستور، مع الاشارة الى ان للهيئة المشتركة وللمجلس عند درس ومناقشة طلب رفع الحصانة تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي.

وللهيئة المشتركة (هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل) وللمجلس، عند درس ومناقشة رفع الحصانة تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي (م98 من النظام الداخلي).

• وجود مجلس النواب خارج دور الإنعقاد:

سنداً الى المادة 40 من الدستور، إذا إقترف النائب جرماً جزائياً، تجوز ملاحقته جزائياً خارج دور إنعقاد مجلس النواب، وإلقاء القبض عليه وتوقيفه، خلافاً لما هي عليه الحال في فرنسا، حيث تشترط المادة 26 من الدستور الفرنسي الحصول على ترخيص من مكتب مجلس النواب لملاحقته جزائياً. إلا أن التعامل في لبنان إستقر على عدم ملاحقة النائب جزائياً، حتى خارج دور إنعقاد مجلس النواب إلا بعد الحصول على إذن المجلس.

• حالة الجرم المشهود:

عرّفت المادة 9 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجرم المشهود، بما يلي:

– الجريمة التي تشاهد عند وقوعها، الجريمة التي يقبض على فاعلها في أثناء أو فور ارتكابها، الجريمة التي يلاحق فيها المشتبه فيه بناءً على صراخ الناس، الجريمة التي يتم اكتشافها فور الإنتهاء من ارتكابها في وقت تدل آثارها عليها بشكل واضح، الجريمة التي يضبط فيها مع شخص أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها على أنه مرتكبها، وذلك خلال 24 ساعة من وقوعها. كما نص القانون المذكور في المادة 30 منه على حالة تنزل منزلة الجريمة المشهودة وهي تلك التي تقع داخل بيت فيطلب صاحبه أو أحد شاغليه في مهلة 24 ساعة من تاريخ اكتشافها، من النيابة العامة التحقيق فيها، سواء أكانت جناية أو جنحة.

ففي حالة الجرم المشهود تسقط حرمة النائب الشخصية، ولا يبقى لها أي مبرر، إذ تجوز ملاحقته جزائياً وإلقاء القبض عليه، سواء أكان مجلس النواب في حالة إنعقاد أو خارج دور الإنعقاد، وفقاً لصراحة نص المادة 40 من الدستور والمادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وبالتالي تجوز ملاحقة النائب جزائياً واتخاذ إجراءات جزائية بحقه وإلقاء القبض عليه وتوقيفه في أثناء أو خارج دور إنعقاد المجلس من دون الحصول على إذن المجلس.

وإذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الإنعقاد أو قبل إنتخابه نائباً، تستمر الملاحقة في دورات الإنعقاد اللاحقة، من دون الحاجة الى طلب إذن المجلس، ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها. وللمجلس الحق بأن يقرر عند الإقتضاء بناءً على تقرير الهيئة المشتركة، وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً في أثناء الدورة إذا كان موقوفاً، وذلك الى ما بعد دور الإنعقاد (م97 من النظام الداخلي لمجلس النواب).

عند الحديث عن مسألة الحصانة الجزائية للنائب يجب التمييز بين حالة اللامسؤولية المطلقة، وبين الحصانة الجزائية أو الحرمة الشخصية.

 ورد في المادة 39 من الدستور أنه لا يجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء التي يبديها مدة نيابته. وهذه الآراء قد تصدر عن النائب قولاً أو كتابة، داخل البرلمان أو خارجه، حتى ولو تضمنت قدحاً أو إهانة، لكن عدم مسؤولية النائب الجزائية عما يبديه من آراء لا تحول دون مساءلته تأديبياً أمام المجلس عندما ينتهك القواعد التي تنظم سلوك النائب أثناء جلسات المجلس، كذلك فإنها لا تمنع المتضرر من هذه الآراء من رفع الدعوى المدنية ضد النائب الذي صدرت عنه لمطالبته بالتعويض، في حال تعرّضها لكرامة أحد الأشخاص من خلال إهانته أو التجريح به أو توجيه تهم غير صحيحة ضده.

    ونشير هنا إلى أن عدم مسؤولية النائب الجزائية تمتد إلى ما بعد انتهاء مدة نيابته، بحيث لا يجوز رفع دعوى جزائية بحقه بسبب الأفكار والآراء التي أبداها خلال نيابته.

فيما يتعلق بالحصانة الجزتئية تنص المادة 40 من الدستور على ما يلي: “لا يجوز في أثناء دور الإنعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه، إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس، ما خلا حالة التلبس بالجريمة”، نستنتج من هذه المادة أنها تتضمن ثلاث حالات وهي: حالة وجود المجلس في دور الإنعقاد، حالة وجود المجلس خارج دور الإنعقاد، حالة الجرم المشهود.

أولاً: حالة وجود المجلس في دور الإنعقاد

عندما يكون المجلس منعقداً لا يجوز ملاحقة النائب جزائياً أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس، فما هي الإجراءات الواجب اتباعها للحصول على طلب إذن المجلس برفع الحصانة؟

يقدّم طلب الإذن بالملاحقة وزير العدل مرفقاً بمذكرة من المدعي العام التمييزي يذكر فيها نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وتشتمل على خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة.

يقدّم الطلب إلى رئيس المجلس الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة المشتركة أن تقدم تقريرها في مهلة أقصاها أسبوعان.

يتوجب على المجلس عند قيامه بالبحث في طلب رفع الإذن، أن يستمر في مناقشته حتى البت نهائياً بالموضوع، ويتخذ قرار رفع الحصانة بالأكثرية النسبية.

إن الإذن الممنوح من المجلس لملاحقة النائب المعين، هو ذو مفعول حصري، يتعلق فقط بالفعل الجرمي المحدد في طلب رفع الحصانة.

-هل تحقق في لبنان حالة رفعت فيها الحصانة عن نائب ما وتمت ملاحقته جزائياً ومحاسبته عن أفعال جرمية ارتكبها؟

    شهد لبنان ثلاث حالات تم فيها رفع الحصانة النيابية، الأولى في العام 1952 حين اتُهم النائب رفعت قزعون بقتل أحد الصحافيين، وفي العام 1994 رُفعت الحصانة عن النائب يحيى شمص لإتهامه بالإتجار بالمخدرات، فأصدرت محكمة الجنايات في بيروت بتاريخ 12/6/1996 حكمها بسجنه أربع سنوات، وبقي في السجن إلى حين صدور قانون عفو عام عن جرائم المخدرات، والثالثة في العام 1999 عندما رُفعت الحصانة عن النائب حبيب حكيم لإتهامه بإهدار المال العام في قضية محرقة برج حمود.

ثانياً: حالة وجود المجلس خارج أدوار الإنعقاد

عالجت المادة 40 من الدستور الملاحقة الجزائية للنائب عند ارتكابه لجرم جزائي وكان المجلس النيابي في حالة انعقاد، فاشترطت الحصول على إذن المجلس من أجل ملاحقته، إلا إذا ارتكب جرماً مشهوداً، لكن ما هو الحل عندما يكون المجلس خارج أدوار الإنعقاد؟

تطرقت إلى هذه المسألة المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس التي ورد فيها:”إذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الإنعقاد أو قبل انتخابه نائباً، تستمر الملاحقة في دورات الإنعقاد اللاحقة دون حاجة إلى طلب إذن المجلس، ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها، وللمجلس الحق بأن يقرر عند الإقتضاء، بناءاً على تقرير الهيئة المشتركة المشار إليها في المادة (100) وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً أثناء الدورة إذا كان موقوفاً وذلك إلى ما بعد دور الإنعقاد”.

يمكننا أن نستلخص من نص المادة 97 المذكورة ما يلي:

إن القضاء ليس ملزماً بالحصول على إذن المجلس، بعد بدء دورة الإنعقاد، من أجل متابعة ملاحقة نائب معين:

-إذا ارتكب جرماً مشهوداً.

-إذا تمت ملاحقته خارج دورة الإنعقاد.

-إذا حصلت ملاحقته قبل انتخابه نائباً.

عندما تتم ملاحقة النائب في إحدى هذه الحالات، بإمكان المجلس أن يتخذ قراراً بوقف الملاحقة مؤقتاً خلال دورة الإنعقاد اللاحقة لملاحقته، وذلك إلى ما بعد انتهاء هذه الدورة.

إذا كان قد صدر بحق النائب حكماً نهائياً خارج الدورات، فلا يحق للمجلس خلال دورات الإنعقاد اللاحقة وقف تنفيذ الحكم إلى ما بعد دور الإنعقاد، لأنه في هذه الحالة تصبح الحصانة في حكم العدم، بسبب صدور حكم قضائي نهائي يثبت ارتكاب النائب للفعل الجرمي المتهم به.

ثالثاً: حالة الجرم المشهود

في حالة الجرم المشهود تسقط حرمة النائب الشخصية، وتجري الملاحقة بحقه حتى ولو كان المجلس في دور انعقاد ودون الإستحصال على إذن من المجلس، وتعرف المادة 36 من قانون العقوبات الجرم المشهود بما يلي: الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال فعله أو عند نهاية الفعل، ويلحق به أيضًا الجرائم التي يقبض على مرتكبها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنهم فاعل الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم.

كيف تنتهي نيابة النائب في لبنان؟

    تنتهي نيابة النائب في حالات ثلاث هي:

إنتهاء ولاية المجلس النيابي، سواء بانتهاء الولاية العادية للمجلس أو عن طريق حل المجلس.

إستقالة النائب بموجب كتاب خطي يقدمه إلى رئيس المجلس، الذي يعلم المجلس بالإستقالة، فيتلى كتاب الإستقالة في أول جلسة علنية بعد تقديمها، وتعتبر الإستقالة نهائية عندما يأخذ المجلس علماً بها، ولكن يحق للنائب أن يتراجع عن استقالته أيضاً بكتاب خطي يقدم إلى رئيس المجلس قبل أخذ المجلس علماً بكتاب الإستقالة.

فصل النائب عن النيابة بقرار من المجلس عند الحكم عليه أثناء نيابته، فالنائب الذي يصدر بحقه حكم قضائي مبرم يؤدي إلى فقدانه الأهلية للنيابة، ومثال على ذلك أنه بعد صدور قرار قضائي مبرم بحق النائب يحيى شمص صدر عن المجلس النيابي قراراً بفصله من النيابة.

تعلّق الحصانة النيابية بالنظام العام

إن المصلحة العامة هي التي تفرض إعطاء النائب الحصانة النيابية، لذلك فهي تتعلّق بالنظام العام. وقد نصت المادة 89 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن «مبدأ الحصانة النيابية متعلّق بالإنتظام العام». فلا يستطيع النائب أن يتنازل عن حصانته لأنها ليست ضمانة أو تأميناً لحقوقه الشخصية، بل حماية للمصلحة العامة التي يمثّلها النائب بصفته وكيلاً عن الإرادة الشعبية.

إنما يجوز للنائب أن يبادر الى قبول رفع الحصانة عنه في موضوع معين لكي يمثل أمام القضاء بعد موافقة مجلس النواب على مبادرته برفع الحصانة عنه؛ أي إن موافقة النائب على رفع الحصانة عنه لا تكفي في الحالات التي يوجب فيها الدستور الحصول على إذن مجلس النواب للملاحقة الجزائية.

المراجع:

– د. زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، بيروت، 2006، المجلد الأول.

– Connaissance de l׳Assemblée: «Statut du député, Editeur Economica, Paris, 1989.

– محكمة الإستئناف الجزائية في المتن، قرار رقم 168/2002 تاريخ 18 / 2 / 2002، مرجع حمورابي الإلكتروني رقم 38708.

– الأستاذ أنور الخطيب: المجموعة الدستورية والدستور اللبناني، بيروت، 1970، الجزء الثاني.

– محكمة التمييز، الغرفة الجزائية السابعة، تاريخ 3 / 6 / 1999، المصنف السنوي في القضايا الجزائية للقاضي د. عفيف شمس الدين، بيروت، 1999، ومرجع حمورابي الإلكتروني رقم 30816.

(1)المادة 39 من الدستور اللبناني، و 26 من الدستور الفرنسي

(2)المادة 40 من الدستور اللبناني

(3)لصادر بتاريخ 18 تشرين الاول 1994ا مادة 89 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب

(4)محضر جلسة مجلس النوّاب الثانية للعقد العادي الثاني1999 (الدور التشريعي التاسع عشر) 18/11/1999 http://www.legallaw.ul.edu.lb/parliament/P19/1999/P99N22/018.HTM

(5)مادة 40 من الدستور

(6)Hamon (F.), Troper (M.), Droit Constitutionnel, LGDJ 35 édition 2014, p. 589

(7)المادة 98

(8)محضر جلسة مجلس النوّاب الثانية للعقد العادي الثاني1999 (الدور التشريعي التاسع عشر) 18/11/1999 http://www.legallaw.ul.edu.lb/parliament/P19/1999/P99N22/018.HTM

(9)Hamon (F.), Troper (M.), Droit Constitutionnel, précité, p. 589

(10)تحديدا مكتب البرلمان

(11)Article 26 alinéa 2 de la Constitution française 

الحوار المجتمعي 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى