
من أخلاقيات التعددية إلى أخلاقيات المسؤولية_ د. هشام الأعور
الاصلاح السياسي
إن أخلاقيات التعددية وأخلاقيات المسؤولية ليست متناقضة، لكنها تكمل بعضها البعض، وتشكل معًا كينونة رجل الدولة ، أي الرجل الذي يمكنه ان يمارس صلاحياته في سدة الحكم او المسؤولية من منطلق ضميره الذي يشكل طاغية يتقبله كالصوت الهامس بين جوانحه.
تشكل التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية احد الأسباب لوقوع الاضطرابات المتكررة في لبنان، وهذا يعود بالطبع إلى ارتباط عدد من القوى السياسية المحلية بقوى خارجية خاصة بها فضلا إلى التفسيرات المتباينة لفكرة الدولة المركزية وممارسة الديمقراطية والتعددية التي انبثق عنها الميثاق الوطني في العام 1943 ، والذي تم تحديثه باتفاق الطائف في العام 1989والتعديلات الدستورية ذات الصلة.
من المؤسف انه ومنذ الإعلان عن دولة لبنان الكبير أن لا مكان بالثقافة السياسية اللبنانية لفكرة الولاء الوطني بقدر الولاء للبلدان الخارجية، لأن مصطلح السيادة الوطنية مبني على معايير متقلبة. وفي حين ان معظم الدول الديمقراطية لاتتحمل ولا تسمح بارتهان أي سياسي الى الخارج فإن اللبنانيين يستوعبون الموضوع ببساطة، فلا يشهدون الخيانة إلا في تصرفات الفريق الاخر.
إذا كان من المشروع في السياسة وفي ممارسة الديمقراطية تمثيل الإيديولوجيات والمبادئ والمشاريع العابرة للأوطان لكن لا يجوز قبول مبدأ الولاء لاي سلطة خارجية وهذا يشمل و بمستويات مختلفة اغلبية القوى والأحزاب السياسية اللبنانية.
والسبب الأساسي لهذه الفروق هو أن اللبنانيين في تعريفهم لمشروع الدولة المشتركة اختاروا الطريق الصعب فتبنوا خيار تجاوز الاختلافات و تفاعل الاضداد لما يحمل من ثروة حضارية وثقافية.
و في حين يبحث العالم عن دور التعددية والتنوع في الديمقراطيات، يعطي لبنان نموذجاً فريداً لبلد تشارك فيه الطوائف بالحكم بالمناصفة و بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين
ان هذا الطريق وان كان محفوفا بالأزمات والصعوبات والزلات ولكنه يبقى الخيار الوطني الذي يحمل الثروة الحضارية الفريدة.
وانطلاقًا من ذلك، كيف يمكن تأمين افضل إدارة لمجتمع مركب في منطقة تقع على تقاطع خطير وتواجه صراعا إسرائيليا مستمرا؟
في المطلق ، يجب أن يسود في بلدنا نهجا تعدديا ومسؤولا إزاء السلوك العام في ما يخص السياسة وإدارة الشؤون العامة.
إن توصيف الحل للواقع اللبناني ينطلق من ضرورة تحديد نوعين من الاخلاقيات، أخلاقيات التعددية واخلاقيات المسؤولية.
ومن أخلاقيات التعددية أن تاتي جميع المواقف والتصرفات منسجمة مع القناعات المختلفة والقيم المتنوعة السائدة بشكل مطلق داخل المجتمع.
اما أخلاقيات المسؤولية فهي تركز على عواقب المواقف والتصرفات معيرةً اهتماما كبيرا لتناسب الأفعال مع الأهداف الأساسية للدولة ويشير هذا المفهوم إلى مجموعة القواعد الأخلاقية التي يجب اتباعها من قبل اهل السلطة من أجل العمل في سبيل الأفضل على أن يكون كل مسؤولا عن أعماله.
هذا التصنيف يقودنا الى التمييز بين التمسك بالنص دون مراعاة العواقب والتركيز دوماً في التصرفات على الأهداف مع التقيد بالقواعد لكن مع اعتبار العواقب المترتبة على ذلك .
ومن الواضح أنه بالنسبة لمجتمع متنوع ومتعدد كالمجتمع اللبناني، يجب أن تتكامل أخلاقيات التعددية مع أخلاقيات المسؤولية.
وينطبق هذا الأمر على الذين يسنون التشريعات والقوانين والمراسيم، والذين يتولون مهمة تطبيقها، وجميع صانعي الرأي العام، كما وعلى المواطن الصالح “المسؤول”.
وقد يكون هذا أول إسهام في الاصلاح السياسي.
الحوار المجتمعي.