المقالاتمواضيع ودراسات

حدود صلاحية الحكومة في حال الفراغ الرئاسي – د. هشام الأعور

الفراغ الرئاسي

يدور نقاش دستوري في شأن مدى ممارسة حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئيس الجمهورية عند تعذر انتخاب البرلمان اللبناني رئيسا للجمهورية وهو احتمال لحظه الدستور في المادة 62 بنصها:” في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت؛ تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.

بالمقابل نظمت المادة 64 صلاحيات رئيس الحكومة الذي يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء . الا ان اهم ما تضمنته المادة 64 من الدستور هو تحويل الثنائية التنفيذية من ثنائية شكلية الى ثنائية فعلية حيث اصبحت السلطة الاجرائية موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء.واذا كانت بعض الصلاحيات التي اعطيت لرئيس الحكومة هي تقنين وتكريس للاعراف الدستورية القائمة كاجراء الاستشارات النيابية قبل تأليف الحكومةوالتوقيع على اعمال رئيس الجمهورية والتنسيق بين الوزارات المعنية وحق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد ووصع جدول اعماله بعد ان كانت هذه الصلاحية مناطة برئيس الجمهورية  وذلك تطبيقا لمبدأ المشاركة الطائفية؛ ولكن انفاذا لمواد الدستور اللبناني هل بمقدور حكومة تصريف الاعمال خلال فترة الفراغ الرئاسي ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ؟ وماذا عن صلاحية رئيس حكومة تصريف الاعمال وهل يمتلك سلطة استنسابية في هذا المجال لضرورات تتعلق بالمصلحة العامة البلاد؟

لقد نص التعديل الدستوري الأخير صراحة في المادة 64 على ان ” لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”.

فهل يعتبر ” المعنى الضيق لتصريف الأعمال” مانعا لانعقاد مجلس الوزراء  في حين يمكن تولي الصلاحيات الرئاسية وكالة وفق المادة 62 بعد الشغور الرئاسي وفي ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والتهديدات الاسرائيلية وغيرها من المشاكل التي تتطلب اتخاذ اجراءات سريعة حفاظا على سلامة الوطن والمواطن؟

في قراءة متأنية للمادة 64  من الدستور نجد بأن المشرع الدستوري دعا مجلس الوزراء كمؤسسة جماعية؛ في ممارسة صلاحياته؛ ولو في حدود ضيقة؛ ولم يدعُ الوزراء؛ كأشخاص منفردين ؛في ممارسة صلاحياته. و بالعودة إلى المادة 62 من الدستور ؛ يتبين لنا أن المشرع اناط؛ ولو وكالة؛  صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء لا برئيس الحكومة او بالوزراء.

وفي هذا السياق يعتبر الفقه والاجتهاد ان استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيله ؛يلزم حكومة تصريف الأعمال الا تتجاوز السقف المرسوم لها وان لا تتخذ اعمالها تصرفية او قرارات تفرض على الحكومة المقبلة التزامات مالية جديدة؛ لأنها غير مسؤولة سياسيا امام مجلس النواب.

لكن حرصا على استمرارية انتظام المؤسسات الدستورية؛ وتأمينا لمقتضيات المصلحة الوطنية العليا ؛أوجد الفقه الدستوري كما الاجتهاد؛ إمكانية حكومة تصريف الاعمال في اتخاذ أعمال تصرفية فرضتها ظروف طارئة واستثنائية تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة واستقراره كالحرب والزلازل والكوارث وغيرها.. كذلك الأعمال الإدارية التي يجب اجراؤها في مهل قانونية محددة تحت طائلة السقوط ؛كالانتخابات النيابية او البلدية؛الموازنة؛ رواتب الموظفين وغيرها. وفي هذه الحالات تخضع قرارات الحكومة إلى رقابة مجلس شورى الدولة ويبطل استطرادا كل قرار حكومي يخالف القوانين.

انطلاقا من ذلك؛ يمكن الاستنتاج انه لا يمكن للحكومة ان تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية الا ضمن نطاق تصريف الاعمال َوفق ما تقتضيها الضرورات من اجل انتظام عمل المؤسسات الدستورية واستمراريتها حصرا واحترام المهل الدستورية والقانونية وكل ما من شأن اهماله ان يرتب خطرا على البلاد والعباد.

 

لكن ذلك لا يعفي الرئيس المكلف الاسراع في تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية منعا لتعطيل الاستحقاقات الدستورية؛ وعدم تحويل الخلافات السياسية إلى شماعة لإسقاط المسؤوليات الكبرى الملقاة على المؤسسات الدستورية ؛ والاقلاع عن سياسة المماطلة والاعتكاف عن واجب الاسراع بتشكيل الحكومة وبالتالي انتخاب رئيس الجمهورية؛ خاصة وأن حكومة تصريف الاعمال التي اعتبرت مستقيلة مع بدء ولاية مجلس النواب لا يمكن أن تتحول إلى “حكومة رئاسية” في حال الشغور الرئاسي.

ان المدرسة الحقيقية لممارسة الحكم والقيادة هي الثقافة الوطنية؛ التي يعمل معها العقل بانتظام. وإن القادة العظام الذين خلدهم التاريخ كانوا ينهلون من التراث الفكري؛ فوراء انتصارات الإسكندر نرى دائما أرسطو؛ ولكن كأن زمن رجال الدولة الكبار في لبنان قد ولىّ منذ تحولت معركة انتخاب رئيس الجمهورية معركة نصاب؛  ومعركة تأمين النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية قد تتحول معركة إسقاط الجمهورية ومعها معركة العبور إلى دولة المواطنة التي تتحول هي أيضا عبورا إلى الفراغ الشامل.

الحوار المجتمعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى