
اتجاه لبنان نحو الصين: التحديات والفرص- د. هشام الأعور
العلاقات الصينية - اللبنانية
تعرف الصين رسميا بإسم جمهورية الصين الشعبية وهي الدولة الاكثر سكانا في العالم حيث زاد عدد السكان على 1.4 مليار نسمة عام 2019. تقع الصين في شرق آسيا ويحكمها الحزب الشيوعي الصيني، وهي تتألف من 23 مقاطعة بما فيها مقاطعة تايوان، و5 مناطق ذاتية حيث الحكم للاقليات القومية، و4 مدن تحت ادارة الحكومة المركزية المباشرة، ومنطقتين اداريتين خاصتين هونغ كونغ وماكاو. عاصمة البلاد هي مدينة بكين.
للصين علاقات متميزة مع غالبية دول العالم منها الاقتصادية والتجارية والعلمية والدبلوماسية والثقافية وغيرها، وكان للبنان نصيب كبير في هذه العلاقات، حيث تتواجد البضائع الصينية في الاسواق اللبنانية بكثافة في المقابل يتم تصدير الكثير من المنتوجات اللبنانية أيضا الى الصين.
تعود العلاقات اللبنانية – الصينية الى العام 1955 حيث تم توقيع أول اتفاقية تجارية بين لبنان والصين. وقد شهدت العلاقات التجارية بين البلدين تطوراً كبيراً، فأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للبنان. ولكن العلاقات الودية بينهما تعود الى قديم الزمان حيث ان طريق الحرير القديم كان يربط الشعب الصيني بالشعب اللبناني منذ أكثر من 2000 عاما.
وقد تم اقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ولبنان في 9 نوفمبر عام 1971، فيصادف العام الجاري الذكرى الخمسين لاقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وتؤكد الوقائع التاريخية على ان المجتمع الصيني عرف لبنان من خلال الطبيب الاميركي اللبناني الأصل جورج حاتم الذي رافق مسيرة الزعيم الصيني “ماو تسي تونغ” كطبيب له. ومنذ اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تطورت العلاقات بينهما حيث وقع لبنان العديد من الاتفاقيات االثنائية في مختلف المجالات الثقافية والتجارية والاعلامية والاقتصادية والسياحية. وتكثف التعاون بين البلدين في السنوات الاخيرة بعد ان اطلق الرئيس شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في سنة 2013 وانضم إليها لبنان في سنة 2017. ويذكر ان للبنان دور مميز في طريق الحرير بسسب موقعه الجغرافي وانفتاحه على الجميع، ووفقا لبيانات الجمارك اللبنانية ، تعتبر الصين سابع اكبر شريك تجاري للبنان وخامس اكبر دولة يستورد منها لبنان في الفترة ما بين كانون الثاني عام 2020 وتشرين الاول عام 2020.
تعد جمهورية الصين الشعبية حليفا قويا لدول الشرق الاوسط وقد تطورت هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة، لكن الصين لا تطمح ان يكون لها نفوذ في المنطقة، بل هي تقيم علاقاتها مع دول المنطقة على اساس المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.
ويعود اهتمام الصين بمنطقتنا الغنية بموارد الطاقة الى اعتبارات عدة وهي اقتصادية بحتة، فالصين تملك متطلبات هائلة للطاقة باعتبارها اكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثاني اكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع ان يصبح الاقتصاد الاول عالميا بحلول 2030.
اما بالنسبة الى نوايا الصين تجاه لبنان، فالصين دولة عظمى يحتل اقتصادها المركز الثاني عالميا ولبنان بلد صغير من حيث المساحة الجغرافية ويعاني من مشاكل اقتصادية وعجز تجاري كبير، ولكنه بالمقابل يتمتع بموقع جغرافي هام جدا كبوابة باتجاه المشرق العربي من ناحية وباتجاه اوروبا من ناحية اخرى . كما يمتلك امكانيات مهمة على صعيد الخبرات البشرية والفنية ، والقطاع المصرفي الذي كان متطورا قبل بروز الازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد منذ فترة ،وانفتاحه على دول الجوار بالاضافة الى كونه ” بلد نفطي” يستعد للانضمام الى الدول المنتجة للنفط. وهذا يعني امكانية التأسيس على تقاطعات اقتصادية وتجارية كبيرة بين البلدين اذا ما تم استغلالها بشكل جيد ستعود بالنفع على الصين ولبنان معا.
والجدير ذكره ان العلاقة التي تربط بين الصين ولبنان تقوم على المنطق السيادي في العلاقات الدولية؛ فالصين كدولة عظمى مشهود لها بمواقفها المشرِّفة من القضايا المحقة و العادلة، إضافة إلى سياستها الخارجية التي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة؛ كما أَن طريق الحرير التي يُعاد رسمُها على الخارطة الإقتصادية العالمية، صالحة لأن تكون للبنان خطّ المواجهة الإقتصادية مع ما تُسمِّي أنفسها دول الإقتصاد الرأسمالي الحُر، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بأسواق الدول النامية عبر العقوبات الاقتصادية الظالمة والمجحفة التي تفرضها على شعوب منطقة الشرق الأوسط دون وجه حق.
وتقوم العلاقة بين الصين ولبنان على اسس متينة وصداقة متبادلة،وتُعد علاقات التعاون الإقتصادي والتجاري بين الجانبين من أهم ركائز التعاون اللبناني الصيني، حيث تحتل الصين المركز الأول في قائمة الدول التي يستورد منها لبنان،فضلاً عن المساعدات المالية التي تقدمها الصين الى لبنان. وقد ساهمت حرية الإستيراد والتصدير، وإقتصاد السوق الحر، ودور لبنان كمركز إقليمي للنقل والتجارة بين الشرق والغرب في فتح الأبواب أمام الصين إلى العالم العربي. من جهة أخرى، تمثل السوق اللبنانية العديد من الفرص للمستثمرين الصينيين وخاصة في قطاع التكنولوجيا، والصناعات الإستراتيجية، والبنى التحتية، والطاقة، والموارد الطبيعية، والقدرات الإنتاجية، والأنشطة التجارية. ومؤخراً، أنهت شركات صينية إستطلاعاً أوّلياً في السوق اللبنانية بخصوص جدوى الإستثمار في قطاع التكنولوجيا وفي قطاع النفط.
ليست مشكلة لبنان في البعد الجغرافي مع الصين، بل ان المزاعم الداخلية التي تطلقها أطراف سايسية داخلية والتي تنفذ اجندات أميركية مباشرة وتأتمر بتعليمات سفارتها في عوكر هي السبب في تأخير تفعيل علاقات دولية إقتصادية مشتركة بين البلدين والتي من شأنها التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف باللبنانيين وتهديدهم بالجوع والفقر والحرمان.
أن أزمة لبنان الاقتصادية مُزمنة من عمر الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف ، حيث البيروقراطية بتعقيداتها الروتينية والفساد المستشري على مستوى الدولة واداراتها الرسمية، يضاف إلى كل ذلك الحصار الخانق الذي فرضته الإدارات الاميركية على لبنان.
ولكن في حال أردنا ان نتجاوز تعقيدات البيروقراطية الحكومية، ومظاهر الفساد التي مازالت تنخر جسم الوطن؛ فإن المسؤولية الوطنية تستوجب منا جميعا مطالبة المعنيين في السلطة من التسريع في الخطوات وعدم التباطؤ في التوجُّه شرقاً لنسج العلاقات الاقتصادية والتجارية والإستثمارية مع الصين للحد قدر الامكان من مخاطر الهيمنة الاميركية واحاديتها المتسلطة على سيادة الدول ونهب ثرواتها و تعمية بصائر العالم عن القضايا العادلة والمحقة وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
ولبنان، الذي يحاول الخروج من الأنهيار الاقتصادي وتداعيات انفجار مرفأ بيروت في 4 آب سنة 2020 ، عليه الاسراع في خلع ” بيت السلحفاة” للحد قدر الامكان من ارتدادات شظايا العقوبات الخارجية ، وقطع الطريق على إستعراضات الإدارة الأميركية عبر التمهيد لطريق الحرير الصينية الى لبنان ، وهذا يتطلب بالطبع موقف وطني يستجلب المصلحة اللبنانية على حساب كل المصالح الضيقة ، والترفع عن المناكفات والانتقال الى سلوك يتناسب مع المسؤولية الإنقاذية مما يساهم في تعزيز التضامن الوطني المطلوب لتجاوز الازمة الداخلية الخانقة.
الحوار المجتمعي.