
ماذا يقول الدستور عن سحب التكليف من الرئيس المكلف – د. هشام الأعور
تشكيل الحكومة
قبل اقل من شهرين على الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول القادم وأقل من 4 أشهر على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون يواجه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي صعوبات سياسية في تشكيل حكومة انقاذ وطني تتصدى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد.
ولما كانت الصلاحية في تسمية دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة قد منحها الدستور الى النواب من خلال الاستشارات النيابية الملزمة (المادة 53- الفقرة 2)؛ وبالتالي فإذا ما استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، هل يعود الحق الطبيعي إلى فخامة رئيس الجمهورية ان يضع هذا الامر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه.
بالعودة الى الدستور يتبين أن اتفاق الطائف قد ألغى رأس الاحادية في السلطة التنفيذية لمصلحة الثنائية التي تتوزع الصلاحيات فيها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إذ ينص على أنه “يحق لرئيس الجمهورية… بالاتفاق مع رئيس الحكومة” وهو ما ينطبق على تأليف الحكومة التي تشكل بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فتكون الصلاحيات متوازنة في موضوع التشكيل ولا من يحكم او يستطيع الحسم على هذا الصعيد.
ويعتبر عدد من الخبراء الدستوريين أن من أخطاء الطائف هو إلغاء الحسم على رأس السلطة التنفيذية، مطالبين بتصحيح هذا الخطأ من خلال تعديل بعض المواد وإعطاء بعض الصلاحيات كاملة الى رئيس الجمهورية وبعض الصلاحيات كاملة الى رئيس الحكومة، فيمكنهما على الأقل البت ببعض الامور، وإن كان الدستور والنظام الداخلي للمجلس النيابي يجيزان لرئيس الجمهورية توجيه رسالة، مكتوبة وفقاً لأصول معينة، أمام أعضاء مجلس النواب ، وتكون إما خطية أو شفهية يلقيها بنفسه. ولكن الأمر يختلف برأي الخبراء الدستوريين بحسب فحوى الرسالة، فإذا كانت موجهّة لسحب التكليف فإن التكليف لا يلغى إلا في حال استقالة او اعتذار الرئيس المكلّف بأعتبار الدستور لا ينص على سحب التكليف وليست هناك آلية تسمح بذلك، الا في حال الضغط السياسي، ودفع الرئيس المكلف الى الاستقالة كما حصل مؤخرا عند استقالة الرئيس الحريري في اعقاب ثورة 17 تشرين.
ولكن إذا كان كان الدستور لا يقيّد رئيس الحكومة المكلف بمهلة زمنية لتشكيل حكومته، ولا يلحظ، بصورة صريحة، خطوات قد تكون متاحة لرئيس الجمهورية حينما لا تنجز التشكيلة الحكومية في مهلة معقولة، ولا يجيز، بالتالي، في نص صريح، للمجلس النيابي سحب «التكليف» عند تعذر تشكيل الحكومة ، غير أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، على المستويات المعيشية والصحية والمالية والأمنية، تستلزم شرعية وأحكاما استثنائية عملا بأحكام القاعدة التي تنص على “ان الضرورات تبيح المحظورات” وهي الشروط الموجبة لنظرية “الظروف الاستثنائية” التي أرساها الاجتهاد الدستوري على اكثر من صعيد، حيث يجب، باعتقادنا، ايجاد صلاحيات استثنائية بشأن تشكيل الحكومة، استنادا الى الفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية، عند الضرورة، الحق في توجيه رسائل إلى مجلس النواب، فصار لزاما على رئيس الجمهورية ميشال عون الاسراع في توجيه رسالة الى المجلس النيابي يطلب من خلالها العمل على إجراء استشارات نيابية جديدة، واعتبار التكليف الأول بحكم الملغى و كأنه لم يكن، بحيث لا يمكن ابقاء ” التكليف” الى ما شاء الله في ظل ما يعانيه البلد من أزمة داخلية تتفاقم يوما بعد يوم في موازاة انهيار العملة الوطنية وتهديد الكيان بالتفكك.
إن هذه المسألة تستدعي السؤال عن دور مجلس النواب اثناء مرحلة ” التكليف” فبالعودة ايضا الى الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور، يتبين أنه عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف الحكومة ونيلها الثقة، ما يتطلب، وفق هذا النص الدستوري، من البرلمان مواكبة تشكيل الحكومة، لأن مصدر التكليف هو البرلمان نفسه. وعليه فإذا كان بمقدور مجلس النواب اصلا، أن يحجب الثقة عن حكومة قائمة ومكتملة الاركان الدستورية بكاملها، فبامكانه، استطراداً ومنطقياً، أن يسحب التكليف من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على اعتبار أن الغاية من التكليف هو التأليف لا التسويف وتضييع الوقت ، وهو ما يضع نواب الأمة أمام مسؤولياتهم الوطنية لحسم هذا الجدل الدائر في البلاد ووضع حد أمام كل اشكال العناد السياسي والمزاجية خاصة وأن نص الفقرة الثالثة السالف ذكره يضع المجلس النيابي على حد قول أحد الخبراء الدستوريين ” في دائرة العقد الاستثنائي، ولا يخرج منها الا بعد التشكيل، ما يعني أن وظيفة المجلس، عند هذا الالتزام، توفير شروط التأليف، لا سيما أن جملة «حتى تأليف الحكومة»، يمكن اسنادها، في اللغة القانونية، الى وظيفة «الغرض»، اسوة بوظيفة «الأجل»، الموجب للاجتماع الاستثنائي للمجلس عند تعذر تشكيل الحكومة”.
ان تكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة، هو تكليف ليس مبرما أونهائيا، وبالتالي يمكن بالتالي سحبه او التراجع عنه، فصحيح ان مجلس النواب قد سمىاه وكلفه رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة، ومن الصحيح أيضا بأن النص الدستوري لا يلزم الرئيس المكلف بمهلة زمنية لإنجاز مهمته، مقابل إلزامه بمهلة شهر واحد لتقديم البيان الوزاري بعد تشكيل الحكومة، ولكن بالمقابل لا يجوز أن تبقى المؤسسات الدستورية المؤتمنة على مصالح البلاد والعباد رهينة شخصية موكل اليها انجاز مهمة وطنية معينة. فهذا يخالف نظرية ” التكليف” أصلا ذلك أن عدم تحقق الغرض الذي من أجله جرى تكليف الرئيس ميقاتي ، يجعل من مفهوم “التفويض” او “التكليف” فارغا من المضمون ما يضع المجلس النيابي، بمعزل عن تركيبة كتله النيابية وخصوصياتهم، امام مسؤولياته الدستورية والسياسية، تبعاً للطبيعة البرلمانية التي تحكم النظام الدستوري اللبناني، حيث تنبثق الحكومة، في النظام البرلماني، عن البرلمان بعد نيلها الثقة على اساس بيان وزاري، لا أن تنبثق المؤسسات الدستورية عن إرادة شخص غير مسؤول تقاعس عن واجب تشكيل الحكومة، وعلى قاعدة ” هذا التكليف في جيبي شاء من شاء وأبى من أبى” ما يناقض كل مقتضيات النظام والواقع السياسي على حد سواء، وهي ازمة غالبا ما تنتهي بتنحي الرئيس المكلف
ولكن يبدو أن الدستور في مكان والسياسة في مكان آخر حيث من المرجح استمرار الحكومة الحالية بتصريف الأعمال وبالتالي قد تتولى بدورها المسؤولية في حال تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد لتتحول إلى “حكومة رئاسة” ووقوع لبنان في ازمة الفراغ الرئاسي وهي ستكون سابقة في تاريخ لبنان السياسي.